“مكافحو البلاستيك”: منع وخفض وإزالة النفايات البحرية من البحر المتوسط
يتمثل الهدف الأبرز الذي يسعى مشروع “مكافحو البلاستيك” لتحقيقه في معالجة مشكلة النفايات البحرية في البحر المتوسط. فعلى مدى السنوات الأربع الماضية، عمل هذا المشروع المدعوم من الاتحاد من أجل المتوسط على تحقيق هذا الهدف في منطقتي شمال وجنوب البحر المتوسط من خلال معالجة دورة الحياة الكاملة لإدارة النفايات البحرية. وقد تحدثنا مع شخصيتين رئيسيتين ضمن مبادرة “مكافحو البلاستيك” وهما كريستينا فوسي –الأستاذ المساعد في جامعة سيينا ومديرة مبادرة “مكافحو البلاستيك” –والدكتورة/ تومايس فلاشوجياني، مسؤول البرامج/ السياسات في مكتب معلومات المتوسط للبيئة والثقافة والتنمية المستدامة.
تمثل النفايات البلاستيكية 80٪ من النفايات البحرية في البحر المتوسط (بما في ذلك الجسيمات البلاستيكية الدقيقة). علاوةً على ذلك، فقد تزايدت كمية النفايات في منطقة جنوب البحر المتوسط خلال العقد الماضي بنسبة تقترب من 15٪، ويرجع ذلك في الغالب إلى النمو السكاني وزيادة الاستهلاك. وتصف الأستاذة/ كريستينا فوسي الوضع كالتالي:
“البحر المتوسط هو بحر مغلق، لذا فإن ما يؤثر على الشمال يؤثر على الجنوب [والعكس صحيح]. لدينا اعتقاد راسخ بأننا لا يمكننا تحقيق الهدف النهائي المتمثل في تقليل النفايات البحرية في البحر المتوسط إلَّا بتضافر جهود جميع البلدان وتعاونها معًا في هذا الإطار“.
منذ انطلاقه في عام 2013، أصبح مشروع “مكافحو البلاستيك” الآن موجودًا في أكثر من عشر دول في جميع أنحاء منطقة البحر المتوسط. يشمل المشروع مجموعة كبيرة من الأنشطة تصفها الأستاذة/ فوسي بقولها: “لا تشمل فقط الرقابة أو التخفيف، بل دورة الحياة الكاملة [للنفايات البحرية] بدءًا من الرقابة، مرورًا بتحديد الأثر على التنوع البيولوجي والمناطق والبؤر شديدة التأثر، ووصولًا إلى تحليل الأثر وتطوير إجراءات التخفيف.” كما يؤدي مشروع “مكافحو البلاستيك” أيضًا دور “واجهة التفاعل بين العلوم والسياسات“، حيث يعمل على نقل هذه المعلومات إلى الحكومات وتحديد إجراءات التخفيف المحددة التي يمكن [تحويلها إلى قوانين].” وكما تشير الدكتورة/ فلاشوجياني، كان أحد إنجازات المشروع التي تفخر بها هو “اعتراف 42 دولة من دول البحر المتوسط بمدى خطورة مشكلة [النفايات البحرية] والاتفاق على توحيد الجهود من أجل الوصول إلى نهج إقليمي منسق.”
إلى جانب تعزيز العمل المنسق في جميع أنحاء منطقة البحر المتوسط للتصديق لمشكلة النفايات البحرية، ساهم مشروع “مكافحو البلاستيك” أيضًا في تطوير تشريعات وقائية والتزامات ملموسة على المستوى الأوروبي. حيث التزمت جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بالوصول إلى حد قابل للقياس يتمثل في “20 عنصرًا [من النفايات] لكل 100 متر امتداد [من الخط الساحلي]”، وهو أمر مثير للإعجاب نظرًا لأن 15٪ فقط من الشواطئ الأوروبية التي خضعت للدراسة تلبي هذا الحد.
والحقيقة إن مشروع “مكافحو البلاستيك” قد اعتاد على تحقيق أهدافه، على الرغم من مواجهته للعديد من العقبات منذ بداياته المتواضعة في عام 2013. وكما تقر الأستاذة/ فوسي، كان المشروع برمته “ملحميًا“، حيث عانت بسببه من الأرق ليالٍ عديدة منذ بدء البحث الأولي عن التمويل. ورغم ذلك، يؤثر مشروع “مكافحو البلاستيك” الآن بشكل إيجابي على كامل دورة النفايات البحرية، بدءًا من العمل مع قطاعات السياحة في البحر المتوسط لتقليل كمية المواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد في الحانات والبارات العاملة على الشواطئ إلى العمل مع المسؤولين عن قطاعات صيد الأسماك لتنظيم إدارة نفايات الأحياء المائية على نحو أفضل، ولا سيما شبكات الرخويات. هذا إلى جانب العمل بشكل مباشر مع أصحاب المصلحة الرئيسيين في البحر المتوسط، بما في ذلك أولئك الذين تعتمد سبل عيشهم على القرب من المناطق الساحلية. كما يدعم مشروع “مكافحو البلاستيك” أيضًا برامج “تبني الشط” في جميع أنحاء البحر المتوسط، حيث تعمل المجتمعات على تنظيف شواطئها المحلية والعناية بها.
ونظرًا للطبيعة متعددة الجنسيات لمبادرة “مكافحو البلاستيك”، أقرت كل من الأستاذة/ فوسي والدكتورة/ فلاشوجياني بأن المشروع قد تباطأ بسبب تأثير فيروس كورونا، حيث لم يكن أصحاب المصلحة في المشروع قادرين على القيام بالعمل الميداني أو البحوث المعملية أو الاجتماع معًا لمشاركة النتائج. ومع ذلك، فقد تلقى المشروع تمديدات للبحوث الميدانية التي تظهر الحاجة الشديدة إليها، كما يجري الآن إطلاق المشاريع التجريبية مرة أخرى. ويمثل فيروس كورونا أيضًا تحديًا آخر لمشروع “مكافحو البلاستيك“، من حيث “ضرورة استخدام القفازات والأقنعة (معدات الوقاية الشخصية) والتي ينتهي بها الحال بطريقة ما إلى التسرب للبيئة الساحلية والبحرية.” وكما صرحت الدكتورة/ فلاشوجياني: “يجب علينا إيجاد الحلول للتأكد من أن [معدات الوقاية الشخصية] لا ينتهي بها الأمر في البيئة البحرية.”
لقد ساهمت القدرة على التكيف ومواجهة التحديات الجديدة في نجاح مبادرة “مكافحو البلاستيك” منذ بدايتها. ومن منظور آخر، نجد ان هناك جانب رائع آخر للمشروع يتمثل في نسبة شغل المرأة للمناصب القيادية في المشروع، حيث تفخر كل من الأستاذة/ فوسي والدكتورة/ فلاشوجياني بغلبة النساء في مجال العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM). وقد صرحت كلتاهما بفخر أن زميلاتهما سيظهرن في فيلم وثائقي قصير عن دور المرأة في هذا المجال. وبالإضافة إلى الترويج للمرأة في مجال الكيمياء البيئية، يمول مشروع “مكافحو البلاستيك” أيضًا العديد من الباحثين في وقت مبكر من حياتهم المهنية، حيث يمول المشروع بشكل كامل ما يزيد عن عشرة من باحثي الدكتوراه في كل دول البحر المتوسط التي يتواجد بها مشروع “مكافحو البلاستيك“.
ولدى سؤالها عن الآمال المعقودة في مستقبل المشروع، أكدت الأستاذة/ فوسيأن
“أحد أحلام مشروع “مكافحو البلاستيك” هو ربط الجنوب والشمال معًا من أجل الوصول إلى الهدف الرئيسي المتمثل في الحد من تأثير النفايات البحرية على التنوع البيولوجي في البحر المتوسط بأكمله“.
وتوافقها الدكتورة/ فلاشوجياني على ذلك، مضيفةً أنها “تود أيضًا أن تشهد استمرار المشروع في اتجاه توسيع نطاق تجارب الحلول“. ومع نجاح اختبارات المشاريع التجريبية في إيطاليا وإسبانيا وفرنسا واليونان وكرواتيا وألبانيا، ومع تنفيذ هذه المنهجيات حاليًا في تونس ولبنان، يبذل مشروع “مكافحو البلاستيك” كل ما في وسعه من أجل تحقيق طموحاته فيما يتعلق بمعالجة النفايات البحرية. وانطلاقًا من الإصرار المبكر لمؤسسيه الأكاديميين على تأمين التمويل اللازم لالتزامه المستمر بتحقيق الأهداف الطموحة على الرغم من جائحة فيروس كورونا، يعمل المشروع بشكل حقيقي على تغيير صحة البحر المتوسط وتوحيد الجهود المبذولة في جميع أنحاء منطقة البحر المتوسط، سعيًا لتحقيق هذا الهدف.