نحو عقد جديد من التعاون الأورومتوسطي
بقلم فيديريكا موغيريني وأيمن الصفدي وناصر كامل
اجتمع قادة دول حوض البحر الأبيض المتوسط والاتحاد الأوروبي، دولاً ومؤسسات، منذ عشر سنوات فيباريس لبحث تعزيز التعاون الإقليمياستناداً إلى عملية برشلونة التي تم تدشينها في منتصف التسعينات ، حيث شهد هذا الاجتماع اطلاق الاتحاد من أجل المتوسط.
ويتضح اليوم، بعد مرور عشر سنوات، أن هناك حاجةأكبر لللمزيد من التعاون الأورومتوسطي، حيث تشهد المنطقة مرحلةانتقالية شاقة وصعبة. ونقدر أن تنافس القوى في المنطقة وغياب آليات فعالة للحوار والتعاون لن يترتب عليه سوى تفاقم الصراعات الحالية وتأجيج صراعات جديدة. و عليه فان الحاجة ملحة لتعزيز العمل المشترك باعتباره السبيل الوحيد لوضع حد للصراعات ،وخلق الوظائف وتحقيق النمو المستدام لشعوب المنطقة .
وقد كانت هذه المنطقة – الغنية بتاريخها و وثقافتها – مهد الحضارات والثقافات النابضة بالحياة، والتي أثرت الحضارة الإنسانية عندما قدمت للعالم الأبجدية،والديمقراطية، والفلسفة، فضلاً عن أولي المكتباتوالمؤسسات الأكاديمية الكبري في العالم. ومما لا شك فيه أنه لا يمكن تجاهل الثقل الاقتصادي للمنطقة لما تزخر به من ثروات، سواء على صعيد الموارد الطبيعية أوالبشرية. وعلى الرغم من ذلك، فقد واجهت هذه المنطقة فيالسنوات الأخيرة تحديات جمة اثرت سلبا علي فرص استغلال امكاناتها الهائله .
و سنعقد اليوم في برشلونة المنتدي الإقليمي الثالث لدول الاتحاد من أجل المتوسط علي مستوي وزراء الخارجية و لا شك ان الاتحاد من أجل المتوسط يعد منبرا فريدا للحوار، وهو الحيز الوحيد الذي تستطيع فيه كافة دولالمنطقة، شمالا و جنوبا و على قدم المساواة ،ان تمضي قدما في التركيز على مصالحها المشتركة في تحقيق الأمنالمستدام والتنمية البشرية من خلال التعاون في إطار عدد من المشروعات المشتركة.
ويعد التنوع الفريد لمنطقتنا هو جزء من ثرائنا، فلا شك ان هذا التنوع الذي قد يمثل للبعض تحدي يعد في الواقع فرصة يجب استغلالها . وهناك العديد من نقاط التماس التي توحدنا أكثر من تلك التي قد تدفع لتشتيت جهودنا . فعلى الرغم منالانقسامات العرقية والثقافية والدينية، فنحن نسعي جميعا لمواجهة خطر الإرهاب والتطرف، وإيجاد حلول سياسيةللأزمات، في سوريا واليمن وليبيا وأماكن أخرى في الشرق الأوسط، للحد منالمعاناة و الحروب و ما خلفتة من دمار و خسائر في الأرواح البشرية، كما أننا عازمون على حل الصراع الفلسطيني-الإسرائيليعلى أساس حل الدولتين باعتباره السبيل الوحيد للأمن و السلام الشامل ، كما آننا نتطلع جميعاً إلى التعامل مع قضاياالهجرة بطريقة أكثر استدامة وإنسانية، سواء بالنسبةللمهاجرين الذين يتركون بلادههم أو في آل مجتمعات المستضيفة لهم ، كما نشترك في الاهتمامبالاستثمار في شبابنا، وتوفير فرص التعليم والوظائفالجيدة للجميع.
وقد أثبتت التجربة أن السياسات الوطنية وحدها لم تعد قادرة على التصدي للتحديات الإقليمية الجديدة التي شهدتها المنطقة بشكل فعال، مما يستوجب اتباع نهجإقليمي يتسم بالتنسيق والاتساق والشمول.
ويعد هدفنا الأساسي هو وضع شعوب المنطقة في صدارة تعاوننا الإقليمي، حيث نعمل معاً على الاستجابة لتطلعاتالشباب و منحهم الفرص التي يستحقونها من أجل مستقبل أفضل، وخاصةً أن العواقب الوخيمة للتطرف والفقروالصراع لا يقتصر اثرها على المدى القصير، بل يمتد أثرها المدمر للأجيال القادمة. وعلى الرغم من أننا لا نزعم أننا قادرين على التوصل لحلول لكافة التحديات، إلا أننا يجب أن نكونأكثر جرأة في استكشاف سبل جديدة لمعالجة هذهالتحديات المشتركة سوياً.
وفي هذا السياق المعقد، عمل الاتحاد من أجل المتوسط بشكل مكثف في عدد كبير من القطاعات، حيثأنشأنا جامعات أورومتوسطية لتنشئه جيل جديد منالشباب لديه رؤية شامله للمنطقة الآورومتوسطية ، كما وفرنا الفرصوالتدريب لأكثر من 100.000 شاب وشابة ودعمنا تطوير ما يزيد عن 800 من المشروعات الصغيرة والمتوسطة. وقداجتمع وزراء الاتحاد من أجل المتوسط في عدد كبير من مختلف القطاعات للعمل سويا في مجالات متنوعة، من ضمنها النقل و الموصلات و التنقل، وتمكين المرأة، وتغير المناخ، والطاقة المتجددة،وحماية البيئة، وإدارة الموارد، والربط الإقليمي للبنية التحتية، والتنمية الحضرية. وقد عزز هيكل وأسلوب إدارةالاتحاد من أجل المتوسط، برئاسته المشتركة التي يتولاها الأردن والاتحاد الأوروبي، من مفهوم المسؤولية المشتركةبين مختلف الشركاء، كما كان التزام وتفاني الأمانةالعامة للاتحاد من أجل المتوسط تجاه قضية وأهداف المنظمة عنصرين هامين لتحقيق ما تم إحرازه من تقدم في العمل الأورومتوسطي من خلال إطلاق مبادرات ومشروعات ملموسة ذات نتائج حقيقية على أرض الواقع.
نحن على ثقة من أن الاتحاد من أجل المتوسط سيواصل جهوده لتنفيذ برنامج أعماله الإيجابي بأسلوب يتسم بالبراجماتية مستفيداً من تنوع الخبرات والثروة البشريةوالدعم السياسي المستمر من ألدول الأعضاء، وما تراكم خلال الفترة الماضية من دروس مستفادة في العمل الإقليمي. وختاماً،رغم اننا ننظر بواقعية لصعوبة الوضع في المنطقة الا ان هذا لا يعني الاستسلام والرضوخ للفوضى ، وكما يقال ” فان سلوك كل فرد من شانه ان يؤثر في مصير الجميع” أكثر من أي وقت مضى.