
“حكمة” من ريف أسيوط المصري… ملابس صديقة للبيئة تُحاك بإبرة من التعاون الأورومتوسطي
15 أكتوبر 2025. في إحدى قرى مركز أبنوب بمحافظة أسيوط في صعيد مصر، تمضي شابة ريفية على خطى ثابتة، تعيد تعريف مسارها المهني كما تعيد تدوير قصاصات القماش. حكمة غيط عبد الوهاب (23 عامًا)، خريجة حقوق جامعة أسيوط عام 2024، حولت هوايتها في الخياطة إلى مصدر دخل وعلامة تجارية تحمل اسمها “حكمة”، تقدّم ملابس وحقائب قماشية بتطريز مخصّص، مع التزام واضح باستخدام الأقمشة الصديقة للبيئة واستثمار البواقي في إكسسوارات جديدة. تلقت حكمة دورات ريادة أعمال ساعدتها على تعزيز العائد التجاري، في إطار مشروع دعم التوظيف وريادة الأعمال للشباب (YEEB) الذي تديره منظمة بيبول بأول إنكلوجن (PPI) بالشراكة مع جمعية سيدات أعمال أسيوط والذي يهدف إلى دعم وتمكين المرأة من دخول سوق العمل وتعزيز استقلالها الاقتصادي، بتمويل مشترك برنامج منح الاتحاد من أجل المتوسط والوكالة الفرنسية للتنمية.
بدأت حكمة بقطعة ملابس ارتدتها بنفسها، ثم بأخواتها اللواتي قدّمن لها مساندة مبكرة وثقة لازمتها في الخطوات التالية. ومع تزايد الطلبات الصغيرة، اتخذت قرارًا جريئًا في سنتها الجامعية الثالثة بتحويل الشغف إلى مهنة، وراحت توفّق بين كلية الحقوق والعمل في ورشتين خياطة لتدّخر رأس المال وتتعلّم عن قرب صنعة السوق وإيقاعه. لم تكن الطريق ممهدة؛ فالذائقة الريفية تسير بإيقاع تقليدي، وسرعة الوصول إلى الفئة المستهدفة أقل مما تتطلبه فكرة ترغب في التجريب والابتكار في الأزياء.
أخذت حكمة على عاتقها المساهمة في تحسين وضع أسرتها المادي ووجدت من والدها ووالدتها إيمانًا بها ودعمًا لإرادتها في تأسيس عملها الخاص، مانحًا إياها الثبات والشجاعة والرؤية. وترسخت خبراتها عبر دورات تدريب متخصصة استمرت لمدة ثلاثة أشهر في إطار المشروع.
شارك في المشروع 80 سيدة، وحصلن على تدريبات في تطوير خطة العمل والتسويق، والإدارة المالية والمحاسبة، والمبيعات وتقنيات التفاوض والتسعير بالإضافة إلى جلسات إرشادية خاصة حسب احتياج كل سيدة في نموذج العمل والإدارة المالية (بما ذلك المساعدة على التقدم للمنح التمويلية المتاحة)، والدعم الفني، والنفسي في حال الحاجة له. توضح حكمة أنها قبل التدريبات لم تطبق أساسيات الإدارة المالية، لكنها باتت اليوم تدوّن التكاليف والاستهلاك والربح.
هنا يتجلّى أثر التعاون الأورومتوسطي الذي ينسّقه الاتحاد ضمن برنامج منح الاتحاد لدعم التوظيف وريادة الأعمال في الاقتصاد الأخضر المتوسطي، بتمويل من جهات التعاون الألمانية والإسبانية؛ دعمًا لمسارات تُشبه مسار حكمة، حيث تلتقي الشراكات المؤسسية بالعزم الفردي لتوليد الفرص والأمل.
بالنسبة إلى حكمة، أصبحت ماكينة الخياطة وسيلتها لنسج رؤية أكبر: تغطية محافظة أسيوط أولًا ثم التوسّع لاحقًا، ولا تستبعد أن ترتدي ملابسها من تُسَمِّيهم “صديقاتها المستقبليات” في برشلونة، وميلانو، والرباط، وباريس.
تؤمن حكمة بأن من يملك حلمًا يصل، وأن الوصول يبدّد مشقة الطريق.
بهذا المعنى، تُطل قصة حكمة من أسيوط بوصفها صورة مصغّرة لما يعنيه التعاون الأورومتوسطي حين يخرج من نصوص الاتفاقيات إلى ورش منزلية صغيرة: معرفة تنتقل عبر التدريب والشراكات، وثقة تتراكم داخل البيوت، وفرص تتسع لتشمل من يبدأ بغرزة ويطمح إلى تغيير الذائقة من حوله. وفي اليوم العالمي للمرأة الريفية، تبدو هذه الحكاية دليلًا عمليًا على أن الجسور بين المؤسسي والمحلي قادرة على تحويل الهواية إلى مشروع، والمشروع إلى منصة إلهام.