إذا لم نتبع هذا النهج، فعاجلاً أم آجلاً سنجد أنفسنا في وسط إقليم متوسطي غير مستقر بشكل متزايد ولا يمكن التنبؤ به، وهو ما قد يصبح خطًا فاصلًا بين عوالم أبعد ما تكون عن بعضها البعض.
لقد سرّني أن علمت أن المنتدى الإقليمي للاتحاد من أجل المتوسط المنعقد في نوفمبر، وكذلك اجتماع وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي ووزراء دول الجوار الجنوبي، قد عُقِدَا بنية واضحة لمنع حدوث مثل هذا الوضع وتحوله إلى حقيقة واقعة.
في هذه الأوقات المضطربة، تعلو بعض الأصوات في بعض الأحيان والتي تشير إلى بعض الضجر –وربما عدم الاهتمام –عندما يتعلق الأمر بهذا المشروع. وتمثل الذكرى السنوية التي نحتفل بها فرصة عظيمة لنعلي من روح الانسجام ونعلن أننا إذا كنا قد نجحنا في عام 1995 فسننجح الآن أيضًا، حيث لا نعاني من نقص في الخبرة والمعرفة، والأدوات اللازمة متاحة بالفعل، بالإضافة إلى الإرادة السياسية لتحديثها حتى تحقق إمكاناتها الكاملة. والسر اليوم –كما كان بالأمس –يكمن في المسؤولية المشتركة ووضوح الهدف.
قبل خمسة وعشرين عامًا، استضافت مدينة برشلونة –المشهورة بإطلالتها على البحر المتوسط –ما يمكن أن نسميه حدثًا تاريخيًا. إنني أشير هنا إلى مؤتمر برشلونة، الذي جمع الدول الأعضاء الخمسة عشر السابقين في الاتحاد الأوروبي مع شركائهم المتوسطيين، وهو ما نتج عنه إطلاق ما يسمى بـ “عملية برشلونة“، والتي تم إضفاء الطابع المؤسسي عليها بعد سنوات في إطار الاتحاد من أجل المتوسط.
ولا تنبع الأهمية التاريخية لهذه المناسبة فقط عن عدد وتنوع الدول المشاركة فيها، بل ساهم أيضًا روح الانسجام والرؤية لمستقبل موحد في جعلها ممكنة. وقد أدى هذا إلى الاتفاق على إعلان سياسي طموح وخطة عمل شديدة التفصيل لتحويل البحر المتوسط إلى إقليم ينعم بالسلم والاستقرار والازدهار المشترك والاحترام المتبادل، وموطنًا للتبادلات في المجالات الإنسانية والثقافية.
لدى تقييمنا للماضي بهدف مواجهة المستقبل، يجب أن ندرك أن التوقعات المثارة في ذلك الوقت لم تتحقق بعد، وعلى الرغم من اقترابنا من هذا الهدف، إلا أن الطريق إلى تحقيقه مازال طويلًا. وعلى مدار السنوات الخمس والعشرين الماضية، تغيرت الظروف الجيوسياسية التي كانت تحدد الإقليم الأورو–متوسطي في عام 1995 بشكل كبير، إلَّا إن هذا التغيير للأسف لم يكن دائمًا للأفضل.
أصبحالوضعاليومأكثرتعقيدًاويصعبإدارته،حيثأصبحتسلسلةالصراعاتوالتوتراتالمتداخلة،و
التفاوتاتالاقتصاديةوالاجتماعيةالمتزايدة،والانقساماتالثقافية،تهددبتعريضجوهرمشروعناالأورو–متوسطي للخطر.
ومما يزيد الأمر تعقيدًا حالة الطوارئ الصحية الشديدة التي أثبتت الطابع الفريد للإقليم الأورو–متوسطي وأهمية قربه الجغرافي. في هذه الظروف الصعبة، لا يمكن أن تثبط عزيمتنا، بل على العكس، نحتاج الآن أكثر من أي وقت مضى إلى العمل معًا على تطوير سياسة أورو–متوسطية مجددة واستباقية، بحيث تتكيف مع التحديات والفرص الحالية، ويكون هدفها النهائي هو جعل منطقة البحر المتوسط منطقة مفتوحة تشمل الجميع ولا تستثني أحدًا. يجب أن تشمل هذه السياسة برنامجًا حقيقيًا للتعاون والتكامل بين ضفتي البحر المتوسط، من أجل حل الصراعات والتوترات الحالية ومنع حدوث المزيد منها مستقبلًا.