اليوم العالمي للمياه: لا يمكن لدول البحر المتوسط الانتظار، بل يتوجب التحرك والتكاتف معًا
ناصر كامل
الرأي: الشرق الأوسط
يصبح العبء الواقع على الموارد الطبيعية النفيسة، وعلى رأسها المياه، أكثر وضوحًا مع مرور كل فصل صيف تتجاوز فيه درجة الحرارة مثيلتها في الفصل السابق، حيث يترتب على التغير المناخي والاستغلال المفرط للأنظمة البيئية آثار مدمرة. ومع ذلك، إذا كان التحدي الذي نواجهه واضحًا وجليًا، وهناك حاجة ملحة إلى اتخاذ إجراءات في هذا الصدد، فلماذا إذن تبدو الحلول المقدمة صعبة المنال ومبهمة إلى حد كبير؟
يتمحور احتفال اليوم العالمي للمياه لعام 2020 حول المياه والتغير المناخي، مع توضيح العلاقة الوثيقة بينهما؛ فشعار هذا العام شديد الوضوح: “لا يمكننا الانتظار“. فهذا الإحساس بالحاجة الملحة يعكس رؤية الاتحاد من أجل المتوسط بشأن قطاع المياه في إقليمنا. في حين أننا نركز على الأدوات التقليدية لإدارة المياه، مثل توفير إمدادات المياه الإضافية والإدارة الفعالة للطلب على المياه، يعمل الاتحاد من أجل المتوسط أيضًا على التأكيد على أهمية التعاون الإقليمي المتزايد لمواجهة ذلك التحدي الحتمي والمشترك. إن جدول أعمال الاتحاد من أجل المتوسط بشأن المياه يعترف بهذا الأمر، حيث يهدف إلى التأكد من أن كل دولة من دول البحر المتوسط تتلقى التوصيات الفنية والإدارية والمالية اللازمة للمساعدة في تحقيق الأمن المائي لسكانها وأنشطتها الاقتصادية.
بالإضافة إلى الاتجاهات العالمية فيما يتعلق بالتغير المناخي، يبدو هذا الموقف أكثر تعقيدًا في منقطة البحر المتوسط، حيث من المنتظر أن تشهد تلك المنطقة آثار أكثر حدةً من تلك الآثار المتوقعة في أيّ مكان آخر، بما في ذلك ندرة موارد المياه الطبيعية. إذا استمر العالم في اتباع نهجه الحالي، سيكون تشير التوقعات إلى أن منطقة المتوسط وحدها ستشهد نقصًا قد يصل إلى 15% في توافر المياه العذبة. ومع ذلك، فما تأثير ذلك على الإنسان؟ تشير التقديرات إلى أن ما يزيد عن 250 مليون نسمة سيعانون من “الفقر المائي” خلال 20 عامًا، علمًا بأن هذا العدد يعادل سكان مصر وفرنسا وتركيا مجتمعين، حيث سيعاني هؤلاء السكان من فرصهم المحدودة في الحصول على الضروريات الأساسية للحياة.
ومع ذلك، يجب أن يكون هناك انسجام تام بين جهودنا. في حين أن اليوم العالمي للمياه لهذا العام قد أثار نقاشات يجب أن تؤدي إلى اتخاذ إجراءات ملموسة وقابلة للقياس، وليست مجرد وعود أو تعهدات، سيسعى الاتحاد من أجل المتوسط للاستفادة الكاملة من هذا العام الذي يصادف الذكرى السنوية الخامسة والعشرين لإطلاق عملية برشلونة، وهي الاتفاقية السياسية التي تمخض عنها الاتحاد من أجل المتوسط باعتباره منصةً تتبوأ موقعًا فريدًا يسمح لها بتعزيز التعاون الأورومتوسطي الذي تحتاجه منطقتنا. ومن خلال الجمع بين المجموعة الرئيسية من الخبراء، يمكننا التعلم والاستفادة من خبرات بعضنا البعض، بل ويمكننا وضع استراتيجيات مشتركة، مما سيساعدنا على تقاسم ثمار ما نحرزه من تقدم في مجال الأمن المائي.
لكي نفهم هذه التغيرات بشكل أفضل ونعالج التحديات المرتبطة بها، فقد عمل الاتحاد من أجل المتوسط – في إطار التفويض الوزاري الممنوح له – على دعم الأعمال التي تقوم بها شبكة من علماء المنطقة (شبكة خبراء المتوسّط حول التغيّر المناخي والبيئي “MedECC“)، الذين سيقومون خلال هذا العام بتقديم التقرير العلمي الأول من نوعه عن تأثير التغير المناخي في المنطقة، إلى جانب تقديم موجز هذا التقرير لصانعي القرارات. يعتمد هذا المسعى على قدرة أصحاب الكفاءات في مختلف التخصصات على إقناع صانعي القرارات بالفوائد المتبادلة والمقايضات التي يمكن تحقيقها، وذلك إذا تضافرت وتكاملت المخططات المستقبلية الخاصة بأمن الطاقة والغذاء والأنظمة البيئية مع السياسات المائية.
في الوقت الراهن، يزداد متوسط درجة الحرارة بمعدل 1,4 درجة كل عام عما كانت عليه في عصر ما قبل الصناعة؛ ومع تزايد حموضة مياه البحار، فمن المتوقع أن تؤثر على بقاء بعض أنواع الأحياء المائية. وخلال العقود القليلة القادمة، من المتوقع انخفاض سقوط الأمطار الصيفية بنسبة تتراوح من 10% إلى 30% في بعض المناطق. لا حاجة إلى القول بأن هذا سيؤدي إلى تفاقم مستويات نقص المياه وانخفاض الإنتاجية الزراعية. أضف إلى ذلك التحديات البيئية التي تفرضها بعض العوامل، مثل الاستغلال المتغير للأراضي، وتنامي التوسع الحضري والسياحة، والتكثيف الزراعي، وتدهور الأرض، وتلوث الهواء والأرض والأنهار والمحيطات. وبناءً عليه، قد يصبح الوضع قاتمًا وكئيبًا بمنتهي السرعة في ظل عدم اتخاذ أيّ إجراءات.
ومن ثم، يتطلب الأمر تنمية مستدامة واسعة الانتشار ومتجددة بالمنطقة أكثر من أي وقت مضى. ولكن المهمة التي نحن بصددها لا يمكن فهمها، وبالتالي لا يمكن إنجازها إذا خططنا لإدارة المياه والطاقة والغذاء والأنظمة البيئية بالنظر لها كموارد منفصلة ومستقلة. وحيث إن هذه الموارد تترابط وتتداخل فيما بينها على نحو قوي، فإن أنظمة توزيع المياه لابد أن تتحسن، بل ويُعاد هيكلتها، لكي تتماشى مع التغييرات الحالية والمستقبلية في توافر المياه والطلب عليها. إذا استطعنا التغلب على هذه التحديات الملحة التي نواجهها، خاصةً تلك التحديات المرتبطة بالتغير المناخي، فسوف يكون لمنطقة للبحر المتوسط بالتأكيد تأثيرًا حاسمًا في تشكيل العالم في المستقبل.
Nasser Kamel
Nasser Kamel is the Secretary General of the Union for the Mediterranean.